شخصيات خالدة كانت هي الأقرب للمواطن محمد ولد الداه رحمه الله( نموذجا )

حدثني “الپمپاري”، وهو العامل في شركة الوطنية لمنتجات الألبان – قطاع التصنيع، قال:
كنت ذات ليلة عند مستشفى الشيخ زايد لإجراء عملية جراحية لابنتي.. انتظرنا دورنا و بعض التجهيزات.. ثم أُدخلت ابنتي غرفة العمليات، و بعد انتظار طويل طبَعَه الخوفُ و الترقب، أخبرني الطبيب أنه علي أن أشتري بعض الأدوية الضرورية و المستعجلة ثم وصفها لي.. كنت وحدي لا أملك غيرَ هاتفي و بطاقة تعريفي.. فتساءلت ماذا سأفعل؟!، و كيف سأتدبر كل هذا المبلغ؟!.. و أين سأجد من يغيثني؟، و في هذه الساعة؟!.. و كيف؟!.
جلست وحدي أفكر.. ففكرت أن أرهن هاتفي و بطاقتي التعريفية عند الصيدلاني، ريثما أتدبر المبلغ.. عرضت عليه الأمر لكنه اعتذر للأسف، فخرجت لا ألوي على شيء، مهرولا بين أزقة المستشفى ذهابا و إيابا، فقد فقدت آخر الآمال، و ضاقت بي جدران المستشفى.
جلست و تناولت هاتفي.. دخلت على قائمة الأرقام.. إلى أن وصلت بالصدفة إلى رقم والدي و أخي قبل أن يكون مديري محمد ولد الداه رحمه الله..لكن قلت في نفسي: كيف سأتصل به في هزيع الليل؟ و ماذا أقول؟!.. ثم أجهش بالبكاء و أردف:
تجرأت، و أرسلت الخط..رن الهاتف مرتين و عند المرة الثالثة، فتح الخط:
-آلو نعم، من المتصل؟
-إنه أنا؛ الپمپاري
-مرحبا.. تتصل في هذا الوقت؟ ”
– ابنتي في المستشفى و في حالة حرجة و لم أجد سواك
– في أي مستشفى؟
– زايد..
انقطع الخط.. و لم يعاود الإتصال، فبقيت حائرا انتظر و أترقب.. و بينما أنا واقف عند مدخل المستشفى إذا بسيارته تقف أمامي، نزل بسرعة ثم دخل مسرعا، مشيرا إلي بيده.. أخذ مني الورقة و اشترى الأدوية في الحال.
كان مبتسما لا يُرى عليه أثر الموقظ من نومه ، جلس بجانبي ينتظر معي، طلبت منه العودة لكنه لم يفعل.. انتظرنا طويلا حتى أوشك الصبح على الإنبلاج، عندها و الحمد لله طمأننا الفريق الطبي على حال ابنتنا و نجاح العملية، ثم أعطاني مبلغا احتياطيا و انصرف.
لم يكن غريبا على هذا الرجل ما فعل -يضيف الپمپاري – فقد عرفناه قريبا من إخوته الضعفاء، و لم يكن هذا أولَ و لا آخرَ ما عرفت فيه، فقد كان ملجئي الأولَ و الأخيرَ بعد الله.
لقد كان محمد ولد الداه رحمه الله إنسانا من العيار الثقيل، حين يرحل رجلٌ بحجمه فذلك هو الرزء بعينه، فبفقده فُجع الوطن برحيل واحدٍ من خيرة أبنائه، و رجلٍ من طينة الكبار.
و ما كان قيس هلكه هلك واحدٍ
و لكنه بنيان قومٍ تهدما
بقلم: الناجي الحسين صالحي